ســــــــــــــــــــــــــــــــــايــــــــــــــــــــدم saidm

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبًا بك أخي الزائر ونتمنى لك زيارة موفقة وجيدة ونتمنى أن تكون بصحة وسعادة دائمة أنت وأهلك الكرام

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ســــــــــــــــــــــــــــــــــايــــــــــــــــــــدم saidm

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مرحبًا بك أخي الزائر ونتمنى لك زيارة موفقة وجيدة ونتمنى أن تكون بصحة وسعادة دائمة أنت وأهلك الكرام

ســــــــــــــــــــــــــــــــــايــــــــــــــــــــدم saidm

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواضيع الأخيرة

» دورة الإدارة المتكاملة لمراحل ونطاق سير المشروع وإدارة الوقت مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 6:12 pm من طرف مركز ITR

» دورة القائد الماستر - مهارات إدارة المشاريع والإدارة مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 5:59 pm من طرف مركز ITR

» ورشة عمل متقدمة في التحكم وإدارة المشاريع والأدوات التعاقدية الناجحة مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 5:56 pm من طرف مركز ITR

» دورة إدارة المشاريع#دورات#تدريبية#معتمدة# مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 5:52 pm من طرف مركز ITR

» دورة أساسيات إدارة المشاريع#دورات# إدارة#المشروعات# الهندسية#
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 5:44 pm من طرف مركز ITR

» دورة معالجة النفط الخام#دورات#البترول#والنفط##تعقد في القاهرة # دبـــــي#شرم الشيخ #اسطنبول
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 5:27 pm من طرف مركز ITR

» دورة حماية البيئة و إدارة النفايات مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 4:54 pm من طرف مركز ITR

» دورة تنظيم حركة النقليات في صناعة البترول والغاز#دورات#فى هندسة#البترول#والغاز#
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 4:35 pm من طرف مركز ITR

» دورة إدارة المخزون النفطي مركزالتدريب الدولي ITR
محمد على باشا وخلافائه  Emptyالثلاثاء مارس 26, 2024 4:27 pm من طرف مركز ITR

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

التبادل الاعلاني

احداث منتدى مجاني

    محمد على باشا وخلافائه

    saidm
    saidm
    Admin


    عدد المساهمات : 356
    نقاط : 1049
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 04/06/2009
    العمر : 48

    محمد على باشا وخلافائه  Empty محمد على باشا وخلافائه

    مُساهمة من طرف saidm الأحد نوفمبر 27, 2011 3:41 am

    محمد علي باشا (بالتركية العثمانية: قوللى محمد على پاشا؛ وبالتركية الحديثة: Kavalalı Mehmet Ali Paşa؛ وبالألبانية: Mehmet Ali Pasha)، المُلقب بالعزيز أو عزيز مصر، هو مؤسس مصر الحديثة وحاكمها ما بين عامي 1805 إلى 1848. استطاع أن يعتلي عرش مصر عام 1805 بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها، بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر في حكم مصر لكل تلك الفترة، ليكسر بذلك العادة التركية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.
    خاض محمد علي في بداية فترة حكمه حربًا داخلية ضد المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصر بالكليّة، ثم خاض حروبًا بالوكالة عن الدولة العلية في جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في المورة، كما وسع دولته جنوبًا بضمه للسودان. وبعد ذلك تحول لمهاجمة الدولة العثمانية حيث حارب جيوشها في الشام والأناضول، وكاد يسقط الدولة العثمانية، لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التي أوقفت محمد علي وأرغمته على التنازل عن معظم الأراضي التي ضمها.
    خلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل في تلك الفترة، إلا أن حالتها تلك لم تستمر بسبب ضعف خلفائه وتفريطهم في ما حققه من مكاسب بالتدريج إلى أن سقطت دولته في 18 يونيو سنة 1953 م، بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية في مصر.
    نشأته وقدومه إلى مصر


    المنزل حيث وُلد محمد علي باشا في مدينة قولة، شمال اليونان حاليًا. احتفظت به الحكومة اليونانية وأجرت عليه بعض التصليحات كي يظل قائمًا، ويُشكل حاليًا معلمًا من معالم المدينة.
    ولد في مدينة قولة التابعة لمحافظة مقدونيا شمال اليونان عام 1769، لأسرة ألبانية.[1][2][3][4][5] كان أبوه "إبراهيم آغا" رئيس الحرس المنوط بخفارة الطريق ببلده،[6] وقيل أن أباه كان تاجر تبغ. كان لوالده سبعة عشر ولدًا لم يعش منهم سواه،[7] وقد مات عنه أبوه وهو صغير السن، ثم لم تلبث أمه أن ماتت فصار يتيم الأبوين وهو في الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه "طوسون"، الذي مات أيضًا، فكفله حاكم قولة وصديق والده "الشوربجي إسماعيل" الذي أدرجه في سلك الجندية، فأبدى شجاعة وحسن نظر، فقربه الحاكم وزوجه من امرأة غنية وجميلة تدعى "أمينة هانم"، كانت بمثابة طالع السعد عليه، وأنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل ومن الإناث أنجبت له ابنتين.[6] وحين قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين كان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية والتي كان قوامها ثلاثمائة جندي، وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم قولة الذي لم تكد تصل كتيبته ميناء أبو قير في مصر في ربيع عام 1801،[8] حتى قرر أن يعود إلى بلده فأصبح هو قائد الكتيبة.[6] ووفقًا لكثير ممن عاصروه، لم يكن يجيد سوى اللغة الألبانية، وإن كان قادرًا على التحدث بالتركية.[9][10]
    بعد فشل الحملة الفرنسية على مصر، وانسحابها عام 1801، تحت ضغط الهجوم الإنجليزي على الثغور المصرية، الذي تواكب مع الزحف العثماني على بلاد الشام،[11] إضافة إلى اضطراب الأوضاع في أوروبا في ذلك الوقت. شجع ذلك المماليك على العودة إلى ساحة الأحداث في مصر، إلا أنهم انقسموا إلى فريقين أحدهما إلى جانب القوات العثمانية العائدة لمصر بقيادة إبراهيم بك الكبير والآخر إلى جانب الإنجليز بقيادة محمد بك الألفي.[6] ولم يمض وقت طويل حتى انسحب الإنجليز من مصر وفق معاهدة أميان.[12] أفضى ذلك إلى فترة من الفوضى نتيجة الصراع بين العثمانيين الراغبين في أن يكون لهم سلطة فعلية لا شكلية على مصر، وعدم العودة للحالة التي كان عليها حكم مصر في أيدي المماليك، وبين المماليك الذين رأوا في ذلك سلبًا لحق أصيل من حقوقهم.[13] شمل ذلك الصراع مجموعة من المؤامرات والاغتيالات في صفوف الطرفين، راح ضحيتها أكثر من والٍ من الولاة العثمانيين.[14] خلال هذه الفترة من الفوضى، استخدم محمد علي قواته الألبانية للوقيعة بين الطرفين، وإيجاد مكان له على مسرح الأحداث،[13] كما أظهر محمد علي التودد إلى كبار رجالات المصريين وعلمائهم ومجالستهم والصلاة ورائهم، وإظهار العطف والرعاية لمتاعب الشعب المصري وآلامه، مما أكسبه أيضًا ود المصريين.[14][15] وفي مارس 1804، تم تعيين والٍ عثماني جديد يدعى "أحمد خورشيد باشا"، الذي استشعر خطورة محمد علي وفرقته الألبانية الذي استطاع أن يستفيد من الأحداث الجارية والصراع العثماني المملوكي، فتمكن من إجلاء المماليك إلى خارج القاهرة، فطلب من محمد علي بالتوجه إلى الصعيد لقتال المماليك، وأرسل إلى الآستانة طالبًا بأن تمده بجيش من "الدلاة".1 وما أن وصل هذا الجيش حتى عاث في القاهرة فسادًا مستوليا على الأموال والأمتعة ومعتديا على الأعراض، مما أثار تذمر الشعب، وطالب زعماؤه الوالي خورشيد باشا بكبح جماح تلك القوات، إلا أنه فشل في ذلك، مما أشعل ثورة الشعب التي أدت إلى عزل الوالي،[14] واختار زعماء الشعب بقيادة عمر مكرم -نقيب الأشراف- محمد علي ليجلس محله.[13][14] وفي 9 يوليو 1805، وأمام حكم الأمر الواقع، أصدر السلطان العثماني سليم الثالث فرمانًا سلطانيًا بعزل خورشيد باشا من ولاية مصر، وتولية محمد علي على مصر.[14]
    تولّي العرش
    خطر الألفي


    خيّآلة من المماليك، حكّام مصر القدامى.
    بعد أن بايعه أعيان الشعب في دار المحكمة ليكون واليًا على مصر في 17 مايو سنة 1805م والذي أقره فيها الفرمان السلطاني الصادر في 9 يوليو من نفس العام، كان على محمد علي أن يواجه الخطر الأكبر المحدق به، ألا وهو المماليك بزعامة محمد بك الألفي الذي كان المفضل لدى الإنجليز منذ أن ساندهم عندما أخرجوا الفرنسيين من مصر. ولم يمض سوى 3 أشهر حتى قرر المماليك مهاجمة القاهرة، وراسلوا بعض رؤساء الجند لينضموا إليهم عند مهاجمة المدينة. علم محمد علي بما يدبر له، فطالب من رؤساء الجند مجاراتهم واستدراجهم لدخول المدينة. وفي يوم الاحتفال بوفاء النيل عام 1805، هاجم ألف من المماليك القاهرة، ليقعوا في الفخ الذي نصبه محمد علي لهم، وأوقع بهم خسائر فادحة، مما اضطرهم للانسحاب. حينئذ، استغل محمد علي الفرصة، وطاردهم حتى أجلاهم عن الجيزة، فتقهقروا إلى الصعيد الذي كان ما زال في أيديهم.[16]
    وفي أوائل عام 1806م، أنفذ محمد علي جيشًا لمحاربة المماليك في الصعيد بقيادة حسن باشا قائد الفرقة الألبانية، الذي اشتبك مع قوات محمد بك الألفي الأكثر عددًا في الفيوم، وانهزمت قوات محمد علي مما أدى إلى انسحابها إلى جنوب الجيزة، ثم فرّت جنوبًا إلى بني سويف من أمام قوات محمد بك الألفي الزاحفة نحو الجيزة. تزامن ذلك مع زحف قوات إبراهيم بك الكبير وعثمان بك البرديسي من أسيوط لاحتلال المنيا، التي كانت بها حامية تابعة لمحمد علي، إلا أن قوات حسن باشا دعّمت الحامية وأوقفت زحف قوات المماليك إلى المنيا.[17]
    في تلك الأثناء، صدر فرمان سلطاني بعزل محمد علي من ولاية مصر، وتوليته ولاية سلانيك. أظهر محمد على الامتثال للأمر واستعداده للرحيل، إلا أنه تحجج بأن الجند يرفضون رحيله قبل سداد الرواتب المتأخرة. وفي الوقت نفسه، لجأ إلى عمر مكرم نقيب الأشراف الذي كان له دور في توليته الحكم ليشفع له عند السلطان لإيقاف الفرمان. فأرسل علماء مصر وأشرافها رسالة للسلطان، يذكرون فيها محاسن محمد علي وما كان له من يد في دحر المماليك، ويلتمسون منه إبقائه واليًا على مصر. فقبلت الآستانة ذلك على أن يؤدي محمد علي 4,000 كيس،2 ويرسل ابنه إبراهيم رهينة في الآستانة إلى أن يدفع هذا الفرض.[18]
    بعد أن توجه محمد بك الألفي إلى الجيزة، لم يهاجم القاهرة وإنما توجه إلى دمنهور بناءً على اتفاق سري بينه وبين حلفائه الإنجليز، ليتخذها مركزًا لتجميع قواته، فحاصرها إلا أن أهالي المدينة وحاميتها استبسلوا في الدفاع عنها. وعندما بلغ محمد علي أنباء حصار دمنهور، أرسل جزءًا من جيشه لمواجهة قوات محمد بك الألفي، فوصلت إلى الرحمانية في أواخر شهر يوليو من عام 1806، واشتبكوا مع قوات الألفي بالنجيلة وهي قرية بالقرب من الرحمانية، وتعرض جيش محمد علي للمرة الثانية للهزيمة، وانسحبوا إلى منوف. عاد الألفي لحصار دمنهور، إلا أنه لم يبلغ منها منالاً، فقد طال الحصار فتألّب عليه جنوده متذمرين، مما اضطره لفك الحصار والانسحاب إلى الصعيد. وسرعان ما جاءت محمد علي أنباء وفاة عثمان بك البرديسي أحد أمراء مماليك الصعيد، ثم أنباء وفاة الألفي أثناء انسحابه، فاغتبط لذلك. سرعان ما جرد جيشًا وتولى قيادته لمحاربة المماليك في الصعيد. استطاع جيش محمد علي أن يهزم المماليك في أسيوط، ويجليهم عنها، واتخذ منها مقرًا لمعسكره حيث جاءته أنباء الحملة الإنجليزية.[19]
    حملة فريزر
    في إطار الحرب الإنجليزية العثمانية، وجهت إنجلترا حملة من 5,000 جندي بقيادة الفريق أول فريزر،[20] لاحتلال الإسكندرية لتأمين قاعدة عمليات ضد الدولة العثمانية في البحر المتوسط، كجزء من استراتيجية أكبر ضد التحالف الفرنسي العثماني.[21]
    أنزلت الحملة جنودها في شاطئ العجمي في 17 مارس سنة 1807، ثم زحفت القوات لاحتلال الإسكندرية، التي سلمها محافظ المدينة "أمين أغا"3 إلى القوات البريطانية دون مقاومة، فدخلوها في 21 مارس.[22] وهناك بلغتهم أنباء وفاة حليفهم الألفي، فأرسل فريزر إلى خلفاء الألفي في قيادة المماليك ليوافوه بقواتهم إلى الإسكندرية. وفي الوقت ذاته، راسلهم محمد علي ليهادمهم، إلا أنهم خشوا أن يتهموا بالخيانة، فقرروا الانضمام لقوات محمد علي، وإن كانوا يضمرون أن يسوّفوا حتى تتضح نتائج الحملة ليقرروا مع من ينضموا.[23] قرر فريزر احتلال رشيد والرحمانية، لقطع طريق التعزيزات التي قد تأتي إلى المدينة عبر نهر النيل.[24]
    وفي 31 مارس، أرسل فريزر 1,500 جندي بقيادة اللواء "باتريك ويشوب" لاحتلال رشيد، فاتّفقت حامية المدينة بقيادة "علي بك السلانكلي" والأهالي على استدراج الإنجليز لدخول المدينة دون مقاومة، حتى ما أن دخلوا شوارعها الضيقة، حتى انهالت النار عليهم من الشبابيك وأسقف المنازل، وانسحب من نجا منهم إلى أبو قير والإسكندرية، بعد أن خسر الإنجليز في تلك الواقعة نحو 185 قتيل و 300 جريح، إضافة إلى عدد من الأسرى.[25] أرسلت الحامية الأسرى ورؤوس القتلى إلى القاهرة، وهو ما قوبل باحتفال كبير في القاهرة. [26][27]
    ولأهمية المدينة، أرسل فريزر في 3 أبريل جيشًا آخر قوامه 2,500 جندي بقيادة الفريق أول ويليام ستيوارت، ليستأنف الزحف على المدينة، فضرب عليها في 7 أبريل حصارًا وضربها بالمدافع، وأرسل ستيوارت قوة فاحتلت قرية "الحمّاد" لتطويق رشيد، ومنع وصول الإمدادات للمدينة. وفي 12 أبريل، عاد محمد علي من الصعيد، واطلع على الأخبار وقرر إرسال جيش من 4,000 من المشاة و1,500 من الفرسان بقيادة نائبه "طبوز أوغلي"، لقتال الإنجليز. صمدت المدينة لمدة 13 يومًا،[26] حتى وصل الجيش المصري في 20 أبريل،[25] مما اضطر ستيوارت إلى الانسحاب.[28] كما أرسل رسولاً إلى النقيب "ماكلويد" قائد القوة التي احتلّت الحمّاد يأمره بالانسحاب، إلا أنه لم يتمكن لم يتمكن من الوصول. وفي اليوم التالي، حوصرت القوة المؤلفة من 733 جنديًا في الحمّاد.[26] بعد مقاومة عنيفة، وقعت القوة بين قتيل وأسير.[29] فعاد ستيوارت إلى الإسكندرية ببقية قواته، بعد أن فقد أكثر من 900 من رجاله بين قتيل وجريح وأسير.[30]
    تابعت قوات محمد علي زحفها نحو الإسكندرية، وحاصروها.[28] وفي 14 سبتمبر سنة 1807، تم عقد صلح بعد مفاوضات بين الطرفين، نص على وقف القتال في غضون 10 أيام، وإطلاق الأسرى الإنجليز،[27][31] على أن تخلي القوات الإنجليزية المدينة،[21] والتي رحلت إلى صقلية في 25 سبتمبر.[25] وبذلك تخلص محمد علي من واحد من أكبر المخاطر التي كادت تطيح بحكمه في بدايته.
    التخلص من الزعامة الشعبية
    على الرغم من المساعدات التي قدمتها الزعامة الشعبية بقيادة نقيب الأشراف عمر مكرم، لمحمد علي بدءً بالمناداة به واليًا، ثم التشفع له عند السلطان لإبقائه واليًا على مصر. وبالرغم من الوعود والمنهج الذي اتبعه محمد علي في بداية فترة حكمه مع الزعماء الشعبيين، بوعده بالحكم بالعدل ورضائه بأن تكون لهم سلطة رقابية عليه، إلا أن ذلك لم يدم. بمجرد أن بدء الوضع في الاستقرار النسبي داخليًا، بالتخلص من الألفي وفشل حملة فريزر وهزيمة المماليك وإقصائهم إلى جنوب الصعيد، حتى وجد محمد علي أنه لن تطلق يده في الحكم، حتى يزيح الزعماء الشعبيين. تزامن ذلك مع انقسام علماء الأزهر حول مسألة من يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر بين مؤيدي للشيخ عبد الله الشرقاوي ومؤيدي الشيخ "محمد الأمير".[32][33]
    وفي شهر يونيو من عام 1809، فرض محمد علي ضرائب جديدة على الشعب،[32] فهاج الناس ولجأوا إلى عمر مكرم الذي وقف إلي جوار الشعب وتوعد بتحريك الشعب إلي ثورة عارمة ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي. استغل محمد علي محاولة عدد من المشايخ والعلماء للتقرب منه وغيرة بعض الأعيان من منزلة عمر مكرم بين الشعب كالشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي، فاستمالهم محمد علي بالمال ليوقعا بعمر مكرم. وكان محمد علي قد أعد حسابًا ليرسله إلي الدولة العثمانية يشتمل علي أوجه الصرف، ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناء علي أوامر قديمة وأراد يبرهن علي صدق رسالته، فطلب من زعماء المصريين أن يوقعوا علي ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق ما جاء به. إلا أن عمر مكرم امتنع عن التوقيع وشكك في محتوياته.[32]
    فأرسل يستدعي عمر مكرم إلي مقابلته، فامتنع عمر مكرم، قائلاً "إن كان ولا بد، فاجتمع به في بيت السادات." وجد محمد علي في ذلك إهانة له، فجمع جمعًا من العلماء والزعماء، وأعلن خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين الشيخ السادات، معللاً السبب أنه أدخل في دفتر الأشراف بعض الأقباط واليهود نظير بعض المال، وأنه كان متواطئًا مع المماليك حين هاجموا القاهرة يوم وفاء النيل عام 1805، ثم أمر بنفيه من القاهرة إلي دمياط.[32] وبنفي عمر مكرم اختفت الزعامة الشعبية الحقيقية من الساحة السياسية، وحل محله مجموعة من المشايخ الذين كان محمد علي قادرًا على السيطرة عليهم إما بالمال أو بالاستقطاعات، وهم الذين سماهم الجبرتي "مشايخ الوقت".[34]
    ] مذبحة القلعة
    بالرغم من أن محمد علي استطاع هزيمة المماليك، وإبعادهم إلى جنوب الصعيد. إلا أنه ظل متوجسًا من خطورتهم، لذا لجأ إلى استراتيجية بديلة وهي التظاهر بالمصالحة واستمالتهم بإغداق المال والمناصب والاستقطاعات عليهم، حتى يستدرجهم للعودة إلى القاهرة. كان ذلك بمثابة الطعم الذي ابتلعه الجانب الأكبر من المماليك، الذين استجابوا للدعوة مفضلين حياة الرغد والترف على الحياة القاسية والمطاردة من قبل محمد علي. إلا أن بعض زعماء المماليك مثل إبراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن ورجالهم، لم يطمئنوا إلى هذا العرض، وفضلوا أن يبقوا في الصعيد.[35]


    الجنود المصريين وقد أحاطوا بالمماليك من كل جانب وأمطروهم بوابل من الرصاص. بريشة إميل جان هوراس ڤيرنت.


    مذبحة المماليك في القاهرة، ويبدو محمد علي باشا جالسًا.
    في ديسمبر من عام 1807، تلقّى محمد علي أمرًا سلطانيًا من السلطان العثماني مصطفى الرابع، بتجريد حملة لمحاربة الوهابيين الذين سيطروا على الحجاز، مما أفقد العثمانيين السيطرة على الحرمين الشريفين، وبالتالي هدد السلطة الدينية للعثمانيين. إلا أن محمد علي ظل يتحجج بعدم استقرار الأوضاع الداخلية في مصر، بسبب حروبه المستمرة مع المماليك.[36] لكن بعد تظاهره بالمصالحة مع المماليك، لم يبق أمام محمد علي ما يمنعه من تجريد تلك الحملة، لذا قرر محمد علي أن يجرّد حملة بقيادة ابنه أحمد طوسون لقتال الوهابيين. كان في تجريد تلك الحملة ورحيل جزء كبير من قوات محمد علي خطر كبير على استقرار أوضاعه في مصر، فوجود المماليك بالقرب من القاهرة، قد يشجعهم على استغلال الفرصة لينقضوا على محمد علي وقواته. لذا لجأ محمد علي إلى الحيلة، فأعلن محمد على عن احتفال في القلعة بمناسبة إلباس ابنه طوسون خلعة قيادة الحملة على الوهابيين، وحدد له الأول من مارس سنة 1811، وأرسل يدعو الأعيان والعلماء والمماليك لحضور الاحتفال.[35] لبى المماليك الدعوة، وما أن انتهى الاحتفال حتى دعاهم محمد علي إلى السير في موكب ابنه. تم الترتيب لجعل مكانهم في وسط الركب، وما أن وصل المماليك إلى طريق صخري منحدر يؤدي إلى باب العزب المقرر أن تخرج منه الحملة، حتى أغلق الباب فتكدست خيولهم بفعل الانحدار، ثم فوجئوا بسيل من الرصاص انطلق من الصخور على جانبي الطريق ومن خلفهم يستهدفهم.[37] راح ضحية تلك المذبحة المعروفة بمذبحة القلعة كل من حضر من المماليك، وعددهم 470 مملوك، ولم ينج من المذبحة سوى مملوك واحد يدعى "أمين بك"، 4 الذي استطاع أن يقفز من فوق سور القلعة.[38] بعد ذلك أسرع الجنود بمهاجمة بيوت المماليك، والإجهاز على من بقي منهم، وسلب ونهب بيوتهم، بل امتد السلب والنهب إلى البيوت المجاورة، ولم تتوقف تلك الأعمال إلا بنزول محمد علي وكبار رجاله وأولاده في اليوم التالي، وقد قُدّر عدد من قتلوا في تلك الأحداث نحو 1000 مملوك.[35][37]
    تعرض محمد علي للعديد من الانتقادات من المؤرخين الغربيين بسبب غدره بالمماليك في تلك المذبحة، 5 بينما عدها البعض مثل محمد فريد إحدى أفعال محمد علي الحسنة التي خلّص بها مصر من شر المماليك.[37] بتخلص محمد علي من معظم المماليك، انسحب المماليك الذين بقوا في الصعيد إلى دنقلة، وبذلك أصبح لمحمد علي كامل السيطرة على مصر.[35]
    فترة خدمة السلطنة
    الحرب الوهابية العثمانية


    الأمير عبد الله بن سعود الكبير بن عبد العزيز آل سعود، آخر أمراء الدولة السعودية الأولى، قاتل الجيش المصري حتى هُزم عام 1818، وأُعدم في الآستانة.[36]
    ظهر عجز الدولة العثمانية، منذ أوائل القرن التاسع عشر، في إخماد الثورات التي قامت في وجهها، فاستنجدت بولاتها لإخمادها،[39] ومن هذه الثورات التي أقضّت مضاجع الدولة: الثورة اليونانية والحركة الوهّابية في شبه الجزيرة العربية.6 حقّقت الدعوة الوهّابية نجاحًا في نجد، واحتضنها أمير الدرعية محمد بن سعود بن محمد آل مقرن، وتجاوزتها إلى بعض أنحاء الحجاز واليمن وعسير وأطراف العراق والشام، واستولى الوهابيون على مكة والطائف والمدينة المنورة،[40] حتى بدا خطرها واضحًا على الوجود العثماني في أماكن انتشارها، بل في المشرق العربي والعالم الإسلامي، وأدّت دورًا هامًا في تطور الفكر الإسلامي الحديث،[40] حيث تُعدّ أول حركة إصلاحية سلفية في العصر الحديث، كما أنها أولى الحركات الإصلاحية التجديدية التي ظهرت في الدولة العثمانية.[41]
    وشعرت الدولة العثمانية بخطورة تلك الحركة، وأدركت أن نجاحها سوف يؤدي إلى فصل الحجاز وخروجه من يدها، وبالتالي خروج الحرمين الشريفين، ما يفقدها الزعامة التي تتمتع بها في العالم الإسلامي بحكم إشرافها على هذين الحرمين، في وقت كانت قد بدأت تسعى فيه إلى التغلب على عوامل الضعف الداخلية، وتقوية الصلات بينها وبين أنحاء العالم الإسلامي بوصفها مركز الخلافة الإسلامية.[41] شكّلت كل هذه العوامل حافزًا للدولة العثمانية للوقوف في وجه الدعوة الوهّابية ومواجهتها للحد من انتشارها، فحاولت في بادئ الأمر عن طريق ولاة بغداد ودمشق لكنها فشلت،[42] فوقع اختيارها على محمد علي باشا، فأعدّ هذا حملة عسكرية بقيادة ابنه أحمد طوسون دخلت ينبع وبدر، إلا أنها انهزمت في الصفراء.[43] لم يستثمر الوهّابيون انتصارهم في الصفراء، وقبعوا في معاقلهم، ما أعطى طوسون الفرصة لإعادة تنظيم صفوف قواته، كما طلب إمدادات من القاهرة، وأخذ يستميل القبائل الضاربة بين ينبع والمدينة المنورة بالمال والهدايا، ونجح في سياسته هذه التي مهّدت له السبيل لاستعادة المدينة المنورة ومكة والطائف،[43] لكن الوهّابيين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرق المواصلات بين مكة والمدينة،[44] وانتشرت الأمراض في صفوف الجيش المصري، وأصاب الجنود الإعياء نتيجة شدة القيظ وقلة المؤونة والماء،[45] ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر، أن يلزم خطة الدفاع، وأرسل إلى والده يطلب المساعدة.[45]
    قرر محمد علي باشا أن يسير بنفسه إلى الحجاز لمتابعة القتال والقضاء على الوهّابيين، وبسط نفوذ مصر في شبه الجزيرة العربية، فغادر مصر، في 26 أغسطس سنة 1812م، الموافق فيه 17 شعبان سنة 1227هـ، على رأس جيش آخر ونزل في جدة ثم غادرها إلى مكة وهاجم معاقل الوهّابيين، إلا أنه فشل في توسيع رقعة انتشاره، فأخلى قنفذة بعد أن كان قد دخلها، وانهزم ابنه طوسون في تَرَبة مرة أخرى.[46] كان من الطبيعي بعد هذه الهزائم المتكررة ومناوشات الوهّابيين المستمرة لوحدات الجيش المصري، أن يطلب محمد علي باشا المدد من مصر، ولمّا وصلت المساعدات، وفيما كان يتأهب للزحف توفي خصمه سعود في 27 أبريل سنة 1814م، الموافق فيه 6 جمادى الأولى سنة 1229هـ، وخلفه في الإمارة ابنه عبد الله.[47] ويبدو أن هذا الأمير لم يملك قدرات عسكرية تُمكنه من درء الخطر المصري ما أدى إلى تداعي الجبهة الوهّابية، فصبّت هذه الحادثة في مصلحة محمد علي باشا الذي تمكّن من التغلب على جيش وهّابي في بسل، وسيطر على تَرَبة ودخل ميناء قنفذة، في حين سيطر طوسون على القسم الشمالي من نجد.[48]


    خط سير حملة إبراهيم باشا من الحناكية إلى الدرعية.
    عند هذه المرحلة من تطوّر المشكلة الوهّابية، اضطر محمد علي باشا أن يغادر شبه الجزيرة العربية ويعود إلى مصر للقضاء على حركة تمرد استهدفت حكمه، وبعد القضاء على هذه الحركة استأنف حربه ضدّ الوهّابيين، فأرسل حملة عسكرية أخرى إلى شبه الجزيرة بقيادة ابنه إبراهيم باشا في 5 سبتمبر سنة 1816م، الموافق فيه 12 شوّال سنة 1231هـ.[49] تمكّن إبراهيم باشا، بعد اصطدامات ضارية مع الوهّابيين، من الوصول إلى الدرعية وحاصرها، فاضطر عبد الله بن سعود إلى فتح باب المفاوضات، واتفق الطرفان على تسليم الدرعية إلى الجيش المصري، شرط عدم تعرضه للأهالي، وأن يُسافر عبد الله بن سعود إلى الآستانة لتقديم الولاء للسلطان، وأن يردّ الوهّابيون الكوكب الدري، وما بقي بحوزتهم من التحف والمجوهرات التي أخذوها حين استولوا على المدينة المنورة.[47] وعمد إبراهيم باشا، بعد تسلمه الدرعية، إلى هدمها. وهكذا انتهت الحرب الوهّابية التي خاضها الجيش المصري في شبه الجزيرة العربية، وعاد إبراهيم باشا إلى مصر.
    ضم السودان
    كانت الحملة التالية في حملات محمد علي هي الحملة التي جردها لضمّ السودان. كانت أهداف محمد علي غير المعلنة من تلك الحملة السعي وراء الذهب والماس الذي تناقل الناس أنه موجود في أصقاع السودان وخاصة سنار، ولاتخاذ جنود سودانيين في الجيش النظامي المصري لما عرف عنهم من صبر وشجاعة وطاعة، والتخلص من بقية جنود الفرق غير النظامية في الجيش المصري التي كانت تثير القلاقل ومصدر متاعب لمحمد علي. أما السبب الظاهري لتلك الحملة، فكان القضاء على البقية الباقية من المماليك الذين فروا إلى دنقلة.[50][51]
    انطلفت الحملة المؤلفة من 4,000 جندي في مراكب نيلية في 20 يوليو سنة 1820، بقيادة إسماعيل باشا ثالث أبناء محمد علي.[52] سارت الحملة جنوبًا، فانحدرت من أسوان إلى وادي حلفا إلى دنقلة، حيث واجهت المماليك وهزمتهم دون مقاومة تذكر. وفي 4 نوفمبر من نفس العام، واجهت جمعًا من السودانيين بأسلحة بدائية وهزمهم في كورتي. ثم واصل الجيش المصري الزحف، فاستولى على بربر في 10 مارس سنة 1821، ثم شندي الذي أعلن ملكها نمر استسلامه أمام الجيش الزاحف، ثم استولوا بعد ذلك على أم درمان، فاجتازوها وبالقرب منها أسسوا مدينة الخرطوم لتكون قاعدة عسكرية للقوات المصرية.[50]
    وجه بعد ذلك إسماعيل باشا نسيبه محمد بك الدفتردار في حملة لضم كردفان. وفي شهر أبريل من عام 1821، اشتبكت قوات الدفتردار مع قوات محمد الفضل سلطان كردفان في بارا، فانتصر الدفتردار ودخل مدينة الأبيض، ليضم بذلك كردفان للأراضي الخاضعة للسلطة المصرية. سار إسماعيل ببقية جيشه لضم مملكة سنار، فاستولى على مدينة ود مدني، فقدم ملكها الملك "بادي" ولائه للجيش المصري، فدخل المصريون سنار في 12 يونيو 1821.[50][51]
    وفى أثناء وجود الجيش في سنار انتشر المرض بين الجنود، فاضطر إسماعيل إلى طلب المدد من أبيه، فأمدّه بقوات بقيادة أخيه الأكبر إبراهيم باشا، واتفقا على تقسيم العمل بينهما، فكانت مهمة إسماعيل الزحف بجيشه على منطقة النيل الأزرق، بينما اتجه إبراهيم لضم بلاد الدنكا واستكشاف أعالي النيل. فواصل إسماعيل زحفه في منطقة النيل الأزرق حتى وصل إلى فازوغلي في شهر يناير من عام 1822. أما إبراهيم فأكرهه المرض على العودة إلى مصر.[50]
    بدأت الثورات تظهر في مختلف المناطق بسبب الازدياد المتواصل في الضرائب التي فرضها المصريون على السودانيين، وما أن وصل إسماعيل باشا إلى شندي في ديسمبر من عام 1822، حتى أمر الملك نمر بالمثول أمامه وبدأ في تأنيبه واتهامه بإثارة القلاقل، ثم عاقبه بأن أمره أن يدفع غرامة فادحة وألف من العبيد، فأظهر الملك نمر الامتثال ولم تمض أيام حتى دعا إسماعيل باشا وكبار رجاله إلى وليمة، وبعد أن أثقلهم بالطعام والشراب، أمر بإشعال النار في المكان، وأمر جنوده برمي كل من يحاول الهرب بالسهام والنبال، فمات إسماعيل ورجاله خنقًا وحرقًا. فلما بلغ محمد بك الدفتردار الخبر، زحف إلى شندي وأسرف في القتل والسبي، وتعقّب الملك نمر إلا أنه لم يدركه حيث فر إلى حدود الحبشة. بعد ذلك استقرت الأوضاع في السودان ودان لحكم محمد علي.[50]
    حرب المورة
    كانت بلاد اليونان، حتى أوائل القرن التاسع عشر، جزءًا من السلطنة العثمانية، وفي هذه الفترة ظهرت في البلاد بوادر الثورة ضد الحكم العثماني، بفعل أربعة عوامل: تطوّر المجتمع اليوناني بفعل الرخاء الاقتصادي الذي نجم عن الحروب النابليونية، وانتشار الأفكار الأوروبية وبخاصة أفكار الثورة الفرنسية، وردود الفعل الآيلة ضد المركزية العثمانية، والتدخل الأوروبي المباشر.[53] وأخذت الحركات الثورية والجمعيات السياسية السريّة والعلنية تُشكل خطرًا على وحدة الدولة العثمانية بدءً من عام 1820، واتخذت مراكز لها في كل من روسيا والنمسا لتكون على اتصال وثيق بالحكومات الأوروبية من جهة، وبمنجاة من اضطهاد الحكّام العثمانيين من جهة أخرى. وكان بعض هذه الجمعيات، مثل "الجمعية الأخوية" (باليونانية: Φιλική Εταιρεία أو Εταιρεία των Φιλικών؛ نقحرة: فيلكي إيتريا)، يدعو إلى إحياء الإمبراطورية البيزنطية والاستيلاء على العاصمة الآستانة، وإخراج المسلمين من أوروبا ودفعهم إلى آسيا.[54] وقد اتخذت الثورة في إقليم المورة بالذات طابعًا دينيًا، رافعة شعارًا هو: الإيمان والحرية والوطن.[54] واجهت الدولة العثمانية مصاعب كبيرة في محاربة الثوّار، نظرًا لكثرة الجزر ولوعورة المسالك التي اشتهرت بها بلاد اليونان، بفعل معرفة اليونانيين كيفية الاستفادة منها استراتيجيًا ضد القوّات العثمانية.[54] وعندما تفاقم خطر الثورة، طلب السلطان محمود الثاني من محمد علي باشا أن يُرسل قواته إلى اليونان لإخضاع الثوّار.[55]


    لوحة الغارة على ميسولونغي، يظهر فيها الثوّار اليونانيون وهم يُقاتلون الجيش المصري والعثماني. بريشة ثيودور ڤريزاكيس (1855).


    لوحة إبراهيم يُهاجم ميسولونغي، وهي تُظهر الهجوم المصري على المدينة بقيادة إبراهيم باشا، بريشة غوزيپي پيترو مزّولا.
    قبل محمد علي باشا القيام بهذا الدور بفعل أن الخطر موجه ضد دولة المسلمين العامّة، المتمثلة بالدولة العثمانية، وضد الإسلام ممثلاً في السلطان العثماني خليفة المسلمين، فأرسل حملة عسكرية بقيادة حسن باشا نزلت في جزيرة كريت وأخمدت الثورة فيها،[56] كما أرسل حملة أخرى بقيادة ابنه إبراهيم باشا، لإخماد ثورة المورة، ونجح في تنفيذ إنزال على شواطئها بعد اصطدامات بحرية قاسية مع الأسطول اليوناني في عام 1825،[57] وأنقذ الجيش العثماني المحاصر في ميناء كورون، كما حاصر ناڤارين، أهم مواقع شبه الجزيرة.[57] وتمكّن إبراهيم باشا من دخول هذا الثغر، كما فتح كلاماتا وتريپولستا في شهر يونيو من عام 1825، وطارد الثوّار واستولى على معاقلهم، باستثناء مدينة نوپلي، عاصمة الحكومة الثورية، واستعد للقضاء على آخر معاقل للثوّار في هيدرا وأستبزيا وميناء نوپلي وميسولونغي.[58] وما لبثت الأخيرة أن سقطت في يد الجيش المصري وكانت آخر معقل كبير للثوار.[59]
    نتيجة لانتصار الجيش المصري، قام اليونانيون بتحريك الرأي العام الأوروبي لإنقاذ الثورة، فنهضت جماعة من أقطاب الشعراء والأدباء يثيرون الرأي العام في أوروبا بكتاباتهم، ويحثّون الدول الأوروبية على التدخل لصالح الثورة.[60] وفعلاً دعت بريطانيا روسيا للتشاور، بغية الوصول إلى تفاهم حول مستقبل اليونان، وتكلّلت هذه المفاوضات بتوقيع پروتوكول سان بطرسبيرغ، الذي انضمت إليه فرنسا بعد مدة قصيرة، واتفقت الدول الثلاث على حث الباب العالي على عقد هدنة مع اليونانيين، ومنحهم قدرًا من الحكم الذاتي في إطار التبعية الاسمية للسلطان العثماني.[61] لكن سقوط ميسولونغي قلب الأمور رأسًا على عقب، فاتجهت الدول الأوروبية وفي مقدمتها روسيا إلى العنف دعمًا للثوّار، فأرسلت سفنها إلى مياه اليونان لفرض مطالبها بالقوة، ومنع السفن العثمانية والمصرية من الوصول إلى شواطئ هذا البلد، وإرسال الإمدادات إلى الجيشين العثماني والمصري.[62] وحاصرت أساطيل الحلفاء الأسطولين العثماني والمصري في ميناء ناڤارين وضربتهما، بدون سابق إنذار، ودمرتهما تمامًا في 20 أكتوبر سنة 1827م، الموافق فيه 29 ربيع الأول سنة 1243هـ.[60]


    الأسطولين العثماني والمصري تلتهمهما النيران في معركة ناڤارين.
    عند هذه النقطة من المشكلة اليونانية، كانت وجهات النظر العثمانية والمصرية متفقة على السياسة العامة، إلا أنه بعد تدخل الدول الأوروبية وانتصارها البحري في ناڤارين اختلفت وجهتيّ نظر الجانبين.[63] فقد رأى محمد علي باشا أن لا فائدة تُرجى من مواصلة القتال، بعد أن فقد أسطوله وانقطعت طريق مواصلاته البحرية مع جيوشه في بلاد اليونان، وأن الحكمة تقضي بفصل السياسة المصرية عن السياسة العثمانية،[63] وقد عجّل في سرعة اتخاذه قرار الانسحاب إرسال فرنسا قوة عسكرية أنزلتها في المورة، وتلقّيه مذكرة من الدول الأوروبية تصرّ فيها على فصل بلاد اليونان واستهداف مصر، إن هو استمر في اتباع السياسة العثمانية. لذا فضّل محمد علي عزل مصر عن المشكلة اليونانية، وترك أمرها للسلطان.[63] وفي 7 سبتمبر سنة 1828م، الموافق فيه 26 صفر سنة 1244هـ، ابتدأ انسحاب الجنود المصرية من المورة على متن ما بقي من السفن، ولم يبق في اليونان غير ألف ومائتيّ جندي للمحافظة على بعض المواقع ريثما تستلمها الجنود العثمانية،[64] إلا أن القوات الفرنسية قامت بهذه المهمة عوضًا عن القوات العثمانية.[64]
    الحملة على الشام
    أسبابها


    السلطان محمود خان الثاني "أبو الإصلاح"، سلطان الدولة العثمانية منذ سنة 1808 حتى سنة 1839،[65] وعد محمد علي باشا بتوليته على بلاد الشام لقاء خدماته الجليلة للسلطنة، لكنه عاد وأخلف الوعد خوفًا على وحدة أراضي الدولة.
    خرج محمد علي باشا من الحرب اليونانية من دون أن يظفر بفتوح جديدة، ولم يُحقق أي استفادة من الاشتراك فيها، في حين انتهت الحرب مع الوهّابيين ببسط نفوذه على شبه الجزيرة العربية، وأتاح له دخول السودان ضم الجزء المتمم للأراضي المصرية،[66] أما العمل الذي قام به بعد ذلك فكان مسرحه بلاد الشام. كان محمد علي يطمح من كل تلك المساعدات والخدمات التي قدمها للدولة العثمانية أن يمنحه السلطان ولاية من الولايات الكبرى، ولكن السلطان اكتفى بأن أقطع محمد علي جزيرة كريت تقديرًا لخدماته وتعويضًا عن بعض ما فقده في الحرب اليونانية،[67] لكن هذا التعويض لم يكن ذا قيمة، إذ لم يكن من السهل أن تحكم مصر هذه الجزيرة وأن تستفيد منها لاشتهار أهلها بالعصيان والتمرّد،[66] ورأى أن يضم بلاد الشام إلى مصر، يدفعه في ذلك عاملان: سياسي واقتصادي.[68]
    والراجح أن محمد علي باشا كان يطمح إلى ضمّ بلاد الشام منذ عام 1810، ويأمل أن يصل إلى حكمها بموافقة السلطان،[71] فطلب من محمود الثاني، في عام 1813، أثناء الحرب الوهّابية، أن يعهد إليه بحكم هذه البلاد بحجة أنه بحاجة إلى مدد منها يعاونه على القتال، فوعد السلطان محمد علي بأن يوليه عليها نظرًا لأن الحرب في شبه الجزيرة كان تؤرق مضجعه وكان يتطلّع إلى القضاء على الوهابيين بسرعة خوفًا من أن تؤدي دعوتهم إلى التفرقة بين المسلمين.[72] ولمّا انتهت الحرب، عاد السلطان وأخلف وعده، إذ شعر أن وجود محمد علي في الشام خطرٌ على كيان السلطنة نفسها.[69] مهّد محمد علي لتنفيذ خطته، بأن أخذ يوطد علاقاته بأقوى شخصين في المنطقة وهما: عبد الله باشا والي عكا، وبشير الثاني الشهابي أمير لبنان، وكلاهما مدين لمحمد علي بالبقاء في منصبه. أما عبد الله باشا فكان محمد علي قد ساعده لدى السلطان، إثر خلافه مع والي دمشق عام 1821، فرضي عنه السلطان وأقرّه على ولاية عكا، كما كان محمد علي قد أمدّه بالمال في معركته ضد والي دمشق.[69]


    الأمير بشير الثاني الشهابي "الكبير"، أمير لبنان منذ سنة 1788 حتى سنة 1840، كان حليفًا أساسيًا وصديقًا مقربًا من محمد علي باشا.
    أما الأمير بشير فكان قد ناصر عبد الله باشا في ذاك الخلاف، وسار على رأس جيشه وحارب والي دمشق وهزمه. وما كادت الدولة العثمانية تطّلع على هزيمة والي دمشق حتى جرّد الباب العالي حملة عسكرية قوية اضطرت الأمير بشير إلى ترك البلاد، والسفر إلى مصر، حيث رحّب به محمد علي، واتفقا على التعاون معًا. ولمّا كان محمد علي على وفاق مع السلطان، فقد استطاع أن يسترضيه ويُلطف موقفه من الأمير بشير، وأن يُعيده إلى إمارته. ونشأت بين الأمير ومحمد علي علاقة وثيقة وصداقة متينة بعد أن جمعهما طموح مشابه،[68] ألا وهو توسيع رقعة بلاد كل منهما، فتعاهدا على السير معًا في سياسة مشتركة.[73][74] أخذت أهداف محمد علي تتبلور بدءًا من عام 1825 عندما صارح الفريق أول الفرنسي "بواييه" بأنه سوف يعمد، بعد أن ينتهي من حرب المورة، إلى وضع يده على بلاد الشام بما فيها ولاية عكا، ولن يقف بجيشه إلا على ضفاف دجلة والفرات، وفي بلاد اليمن والجزء الأوسط من شبه الجزيرة العربية.[75] وتتوافق هذه الأفكار مع ما أشيع، نقلاً عنه وعن ولده إبراهيم باشا، بأنه سيكون المدافع عن حقوق الشعوب العربية التي تعيش تحت الحكم العثماني حياة التابع البائس المستضعف،[75] وأضحت السيطرة على بلاد الشام، بدءًا من عام 1829، من الأمور الضرورية في سياسته الإستراتيجية.
    ورأى أحد القناصل البريطانيين، ويُدعى باركر، في عام 1832، أن جيش محمد علي منهمك في مشروع تحرير الشعوب العربية وجمعها في إمبراطورية عربية، وأن هدفه المباشر هو توطيد سلطته في بشالق عكا ودمشق، ثم التوسع بعد ذلك نحو حلب وبغداد عبر كل الولايات العربية.[76] وربط معظم المؤرخين بين طلب محمد علي باشا من السلطان عام 1813، ليوليه بلاد الشام، من أجل القضاء على الوهّابيين في الحجاز، وبين حملته التي قام بها في عام 1831. ولو أن هذا الأمر كان صحيحًا لانتهز والي مصر فرصة نجاحه في إخضاع الوهّابيين ليزحف نحو بلاد الشام لضمّها، وبخاصة أن الباب العالي رفض له آنذاك طلبين: أولهما إعادة يوسف كنج إلى ولاية الشام، وإبعاد سليمان باشا عنها، وثانيهما منحه هذه الولاية.[77] لكن من الواضح أن محمد علي عدّ أن رسالته هي إنقاذ الدولة العثمانية نفسها من خطر الخراب، وإحداث تغييرات جذرية، ونفخ حياة جديدة فيها.[75] فقد كان مؤمنًا بوحدة العالم الإسلامي بزعامة السلطان شرط أن يُسارع إلى حماية المسلمين بعد كارثة ناڤارين، منبهًا إلى ضرورة تجديد السلطنة على قاعدة الدين الإسلامي.[78] وسواء كان محمد علي يحلم بدولة عربية منفصلة عن الدولة العثمانية وتقوم على أنقاضها، أو كانت رسالته تقضي قيام سلطنة إسلامية قوية، فمما لا شك فيه أن تدخل الدول الأوروبية في هذ القضية حال بينه وبين أي تفاهم مع الباب العالي، من جهة، ومنعه من تحقيق أهدافه، من جهة أخرى.[79]
    تُعد حروب محمد علي باشا في بلاد الشام حروبًا دفاعية وهجومية في آن معًا، أما كونها حروبًا دفاعية فلأن محمد علي باشا كان يعلم أن الدولة العثمانية لا تألُ جهدًا في السعي لاسترداد مركزها في مصر، وأن السلطان محمود الثاني لم يكن صافي النيّة، وأما كونها حروبًا هجومية فلأن هدفه كان أيضًا التوسع.[71] ويبدو أن محمد علي باشا قد أخذ قرار التصدي للباب العالي ضمن خلفيّات عدّة. فقد آنس في جيشه القوة، ووجد أن الدولة العثمانية في حالة من التدهور والتفكك، وأنها محط أنظار ومؤامرات الدول الأوروبية.[69] وهكذا وقع والي مصر أسير عاملين: أسير نفسه، إذ رأى أن الباب العالي ظلمه عندما منعه من ولاية الشام، على الرغم من أدائه خدمات جليلة للسلطنة، وأسير اعتقاده أنه أصلح ولاة الشام.[80]
    مراحلها
    مرّت الحروب في بلاد الشام بمرحلتين، انتهت المرحلة الأولى باتفاقية كوتاهية، عام 1833، ورسّخت السيطرة المصرية على الشام، في حين انتهت المرحلة الثانية باتفاقية لندن عام 1840، وقضت بانسحاب الجيش المصري.
    المرحلة الأولى


    لوحة ثلاثة فلاحين (بالفرنسية: Trois fellahs‏)، بريشة شارل جبرائيل غلاير (1835)، وقد صوّر فيها 3 فلاحين مصريين. كانت مسألة الفلاحين السبب الرئيسي وراء الحملة المصرية على الشام.
    تكمن الأسباب المباشرة للحرب في النزاع الداخلي الذي حصل بين محمد علي باشا وعبد الله باشا والي عكا،[81] فقد افتعل محمد علي خلافًا مع والي عكا إذ طالبه بإعادة المال الذي كان قد قدّمه إليه، وإعادة الفلاحين المصريين الفارّين من دفع الضرائب ومن الخدمة في الزراعة، ولمّا ماطل عبد الله باشا في تلبية طلب محمد علي، اتخذ هذه المماطلة ذريعة لاحتلال أراضي الشام.[82] زحف الجيش المصري باتجاه فلسطين في 14 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1831م، الموافق 7 جمادى الأولى سنة 1247هـ، تحت قيادة إبراهيم باشا بن محمد علي،[81] وسيطر على مدنها من دون مقاومة تُذكر، باستثناء عكا التي ضرب عليها حصارًا مركزًا برًا وبحرًا حتى لا يأتيها المدد بحرًا فلا يقوى على فتحها، كما حصل لنابليون بونابرت من قبل حين حاصرها سنة 1799.[83] وبينما كانت تقاوم حصار إبراهيم باشا، كان أبناء الأمير بشير، ومعهم جنود مصريون، يسيطرون على صور وصيدا وبيروت وجبيل. ولمّا استعصت عليهم طرابلس أسرع إبراهيم باشا لنجدة حلفائه، ولم تلبث أن سقطت في أيديهم.[82]
    اضطربت الدولة العثمانية أمام زحف الجيش المصري، وعدّت ذلك عصيانًا وقامت للتصدي له. واصطدم جيش عثماني، بقيادة عثمان باشا والي حلب، بالجيش المصري في سهل الزرّاعة جنوبي حمص، إلا أنه انهزم أمامه. ثم عاد إبراهيم باشا إلى عكا لمواصلة حصارها، فدخلها عنوة في 28 مايو/أيار سنة 1832م، الموافق فيه 27 ذي الحجة سنة 1247هـ، وأسر عبد الله باشا وأرسله إلى مصر.[84] وتابع القائد المصري زحفه باتجاه الشمال، بعد سيطرته على عكا، فدخل دمشق مع الأمير بشير وجيشه بعد أن قاتلا والي المدينة، ورحّب السكان به لأنهم كانوا أقرب إلى الرغبة في تغيير حكامهم بفعل مساوئ الولاة العثمانيين.[85]


    إبراهيم باشا بن محمد علي، فاتح بلاد الشام وقائد العمليات العسكرية فيها، بريشة شارل فيليپ لاريڤيار.
    جزع الباب العالي لسقوط عكا ودمشق وسيطرة المصرييين على جنوب الشام، وخشي السلطان أن يتزعزع مركزه أمام انتصاراتهم، فحشد جيشًا آخر بقيادة السرعسكر حسين باشا ودفعه لوقف الجيش المصري، وإجبار المصريين على الانسحاب من بلاد الشام، وأصدر في الوقت نفسه فرمانًا أعلن فيه خيانة محمد علي باشا وابنه إبراهيم للسلطة الشرعيّة.[86] اصطدم إبراهيم باشا بالجيش العثماني الجديد في معركة حمص وتغلّب عليه في 29 يونيو/حزيران سنة 1832م، الموافق 10 صفر سنة 1248هـ، وسيطر على حماة ودخل إثر ذلك مدينة حلب، وتأهب لاستئناف الزحف باتجاه الشمال.[87] انسحب حسين باشا شمالاً، بعد خسارته، وتمركز في ممر بيلان وهو أحد الممرات الفاصلة بين بلاد الشام والأناضول، فلحقه إبراهيم باشا واصطدم به وتغلّب عليه، وطارد من بقي من جيشه حتى اضطرهم إلى مغادرة المنطقة عن طريق ميناء الإسكندرونة وسيطر على الممر، كما احتل ميناء إياس، شمالي الإسكندرونة، ودخل ولاية أضنة وطرسوس.[88]
    وشجعت هزيمة العثمانيين إبراهيم باشا على مواصلة طريقه، فتقدم في داخل بلاد الأناضول حتى بلغ مدينة قونية، وكان العثمانيون قد تجمعوا ليدافعوا عن قلب السلطنة، ولكن القائد المصري تغلّب عليهم في 20 ديسمبر/كانون الأول سنة 1832م، الموافق 27 رجب سنة 1248هـ، وأسر قائدهم الصدر الأعظم محمد رشيد باشا.[82] وبهذه الغلبة انفتحت الطريق أمامه إلى الآستانة، حتى خُيّل للعالم في ذلك الوقت أن نهاية السلطنة العثمانية أصبحت قريبة. عقب هزيمة قونية ساد القلق عاصمة الخلافة، وارتعدت فرائص السلطان الذي خشي من تقدم إبراهيم باشا نحو العاصمة، فاستنجد بالدول الأوروبية للوقوف في وجه الخطر المداهم، فلم ينجده إلا روسيا،7 إذ كانت بريطانيا منهمكة في شؤونها الداخلية وبالمسألة البلجيكية،[89]8 وكانت فرنسا تؤيد محمد علي وتتعاون معه، وقد كان في جيشه عدد من القادة الفرنسيين، ووقفت كل من النمسا وبروسيا على الحياد.[90] أرسلت روسيا عام 1833 أسطولاً بحريًا إلى الآستانة للدفاع عنها، ولم تكد بريطانيا وفرنسا تطلعان على وجود السفن الروسية في مياه الآستانة حتى هالهما الأمر، وشعرتا بالخطر الروسي عليهما، وخشيتا أن تستغل روسيا تداعي الدولة العثمانية لتقوّي مركزها في الممرات البحرية،[91] فسارعتا إلى عرض مساعدتهما على السلطان فيما إذا تخلّى عن المساعدة الروسية. ولكن الروس رفضوا إجلاء سفنهم إلا بعد أن ينسحب المصريون من الأناضول. عندئذ نشط ممثلو بريطانيا وفرنسا في التوسط بين السلطان ومحمد علي، حتى تم تبادل الرسائل بينهما.[92] واستخدمت فرنسا علاقاتها الوديّة مع مصر لإقناع محمد علي باشا بتسوية خلافه مع السلطان، وأن لا يتشدد في طلباته، وأن يكتفي من فتوحه بسناجق صيدا وطرابلس والقدس ونابلس.[93] رفض محمد علي باشا وجهة النظر الفرنسية، وأصرّ على ضم بلاد الشام وولاية أضنة، وجعل جبال طوروس الحد الفاصل بين الدولة العثمانية وممتلكاته، وأمر ابنه بالتقدم في فتوحه بهدف الضغط على السلطان.[93]


    المناطق الخاضعة لسلطان محمد علي بعد انتهاء حملته على بلاد الشام.
    وبذلت فرنسا جهودًا مضنية للتوفيق بين وجهتي النظر، العثمانية والمصرية، وهدّدت، في إحدى مراحل المفاوضات، بقطع العلاقة مع مصر. وأخيرًا توصل الجانبان إلى توقيع اتفاقية كوتاهيه، في 4 مايو/أيار سنة 1833م، الموافق فيه 14 ذي الحجة سنة 1248هـ،[94][95] تنازل الباب العالي بموجبها عن كامل بلاد الشام، وأقرّ لمحمد علي باشا بولاية مصر وكريت وكامل سوريا الطبيعية (بما يشمل لبنان وفلسطين وأضنة)، وبولاية ابنه إبراهيم على جدّة.[96] وقد تعهد محمد علي لقاء ذلك، بأن يؤدي للسلطان كل عام الأموال التي كان يؤديها عن الشام الولاة العثمانيون من قبل. وهكذا جلا إبراهيم باشا عن الأناضول، وانتهت المرحلة الأولى لحروب الشام، وبدا أن الأزمة قد انتهت أيضًا.
    [عدل] المرحلة الثانية
    لم تكن التسوية، التي تمّت في كوتاهية، إلا تسوية مؤقتة، إذ أن محمد علي باشا لم يوافق على عقدها إلا خشية من تهديد الدول الأوروبية بحرمانه من فتوحه، ومن جهته وافق السلطان محمود الثاني على عقدها مكرهًا تحت ضغط الأحداث العسكرية والسياسية، وهو عازم على استئناف القتال في ظروف أفضل لاستعادة نفوذه في بلاد الشام ومصر، ولمّا كان التفكير السياسي لكل طرف على هذا الشكل من التناقض، كان لا بد من استئناف الحرب لتقرير النتيجة النهائية.[97] ونفّذ السلطان سياسة استراتيجية من شقين: إنه راح يُحرّض سكان بلاد الشام ضد الحكم المصري من جهة،9 وقام بحشد القوات لضرب الجيوش المصرية وإرغامها على الخروج من البلاد، بمساعدة بريطانيا، من جهة أخرى.[97] وأدرك محمد علي باشا، بعد التطورات السياسية، بأنّ مواقف الدول الأوروبية كانت لغير صالحه، وبأنّ خططه الانفصالية غير قابلة للتحقيق، لكنه لم يفقد الأمل باعتراف السلطنة بالحقوق الوراثية لعائلته في حكم المناطق التي كانت تحت إدارته، وحاول أن ينتهز الفرصة لإجراء محادثات جديدة، فأجرى مباحثات مع مبعوث السلطان، صارم أفندي، في مصر انتهت بالفشل بسبب التصلّب في المواقف.[97]10
    وهكذا تطورت الأمور السياسية نحو التأزم، وأضحت الحرب بين الجانبين أمرًا لا مفر م

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 4:38 am